فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

وفي قوله: {عَلاَّمُ الْغُيُوْبِ} تأويلان:
أحدهما: أنه مبالغة.
والثاني: أنه لكثير المعلومات. اهـ.

.قال الفخر:

دلّت الآية على جواز إطلاق لفظ العلام عليه، كما جاز إطلاق لفظ الخلاق عليه.
أما العلاّمة فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إطلاقها في حقه ولعل السبب ما فيه من لفظ التأنيث. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)}.
يكاشفهم بنعت الجلال فتنخنس فهومُهم وعلومُهم حتى ينطقوا بالبراءة عن التحقيق ويقولون: {لاَعِلْمَ لَنَا}، وهكذا تكون الحالة غدًا: مَنْ قال لشيءٍ، أو يقولون: «ما عبدناك حق عبادتك» والأنبياء يقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا}. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يوم يجمع الله الرسل} ذهب قوم من المفسرين إلى أن العامل في {يوم} ما تقدم من قوله: {لا يهدي}، وذلك ضعيف، ورصف الآية وبراعتها، إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفًا، والعامل مقدر إما اذكروا وإما تذكروا وإما احذروا ونحو هذا مما حسن اختصاره لعلم السامع، والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة، وخص الرسل بالذكر لأنهم قادة الخلق، وفي ضمن جمعهم جمع الخلائق وهم المكلمون أولًا و{ماذا أجبتم} معناه ماذا أجابت به الأمم من إيمان أو كفر وطاعة أو عصيان، وهذا السؤال للأنبياء الرسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم ويبتدأ حسابهم على الواضح المستبين لكل مفطور، واختلف الناس في معنى قولهم عليهم السلام {لا علم لنا} فقال الطبري ذهلوا عن الجواب لهول المطلع، وذكر عن الحسن أنه قال: لا علم لنا من هول ذلك اليوم. وعن السدي أنه قال: نزلوا منزلًا ذهلت فيه العقول فقالوا لا علم لنا. ثم نزلوا منزلًا آخر شهدوا على قومهم، وعن مجاهد أنه قال: يفزعون فيقولون لا علم لنا.
قال القاضي أبو محمد: وضعّف بعض الناس هذا المنزع بقوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] والأنبياء في أشد أهوال يوم القيامة وحالة جواز الصراط يقولون سلم سلم وحالهم أعظم وفضل الله عليهم أكثر من أن تذهل عقولهم حتى يقولوا ما ليس بحق في نفسه، وقال ابن عباس رضي الله عنه: معنى الآية لا علم لنا إلا علمًا أنت أعلم به منا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن، كأن المعنى لا علم لنا يكفي وينتهي إلى الغاية، وقال ابن جريج: معنى ماذا أجبتم؟ ماذا عملوا بعدكم وما أحدثوا؟ فلذلك قالوا لا علم لنا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا معنى حسن في نفسه، ويؤيده قوله تعالى: {إنك أنت علام الغيوب} لكن لفظة {أجبتم} لا تساعد قول ابن جريج إلا على كره، وقول ابن عباس أصوب هذه المناحي لأنه يتخرج على التسليم لله تعالى ورد الأمر إليه، إذ قوله: {ماذا أجبتم} لا علم عندهم في جوابه إلا بما شوفهوا به مدة حياتهم، وينقصهم ما في قلوب المشافهين من نفاق ونحوه، وما ينقصهم ما كان بعدهم من أمتهم والله تعالى يعلم جميع ذلك على التفصيل والكمال. فرأوا التسليم له والخضوع لعلمه المحيط وقرأ أبو حيوة {ماذا أَجبتم} بفتح الهمزة. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {يوم يجمع الله الرسل} قال الزجاج هي متصلة بما قبلها تقديرها: واتقوا الله يوم يجمع الله الرسل، وقيل: تقدير: والله لا يهدي القوم الفاسقين يوم يجمع الله الرسل.
أي لا يهديهم إلى الجنة في ذلك اليوم وهو يوم القيامة وقيل إنها منقطعة عما قبلها وتقديره اذكر يا محمد يوم يجمع الله الرسل ذلك يوم القيامة {فيقول ماذا أجبتم} يعني فيقول الله تبارك وتعالى للرسل ماذا أجابكم أممكم وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم في دار الدنيا إلى توحيدي وطاعتي وفائدة هذا السؤال توبيخ أمم الأنبياء الذين كذبوهم {قالوا} يعني الرسل {لا علم لنا} قال ابن عباس: معناه لا علم لنا كعلمك فيهم لأنك تعلم ما أضمروا وما أظهروا ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا وأبلغ.
فعلى هذا القول، إنما نفوا العلم عن أنفسهم وإن كانوا علماء لأن علمهم صار كلاعلم عند علم الله.
وقال في رواية أخرى: معناه لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا وهذا القول قريب من الأول.
وقيل: معناه لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا.
وقيل: معناه لا حقيقة لعلمنا بعاقبة أمرهم لأنا كنا نعلم ما كان من أفعالهم وأقوالهم وقت حياتنا ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا ولا نعلم ما أحدثوا من بعدنا ومنه ما أخبر الله عن عيسى عليه السلام بقوله: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} ومنه ما روي عن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولن أي رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» زاد في رواية «فأقول سحقًا لمن بدل بعدي» أخرجاه في الصحيحين وقال جمع من المفسرين إن للقيامة أهوالًا وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها فيفزعون من هول ذلك ويذهلون عن الجواب ثم إذا ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم بالتبليغ.
وهذا فيه ضعف ونظر لأن الله تعالى قال في حق الأنبياء: {لا يحزنهم الفزغ الأكبر}، وذكر الإمام فخر الدين الرازي وجهًا آخر وهو أن الرسل عليهم السلام لما علموا أن الله تعالى عالم لا يجهل وحليم لا يسفه وعادل لا يظلم علموا أن قولهم لا يفيد خيرًا ولا يدفع شرًا فرأوا أن الأدب في السكوت وفي تفويض الأمر إلى الله تعالى وعدله فقالوا لا علم لنا {إنك أنت علام الغيوب} يعني إنك تعلم ما غاب عنا من بواطن الأمور ونحن نعلم ما نشاهد ولا نعلم ما في البواطن.
وقيل معناه إنك لا يخفى عليك ما عندنا من العلوم وأن الذي سألتنا عنه ليس بخاف عليك لأنك أنت علام الغيوب ومعناه العالم بأصناف المعلومات على تفاوتها ليس تخفى عليه خافية وبناء فعال بتاء التكثير ودلت الآية على جواز إطلاق العلام على الله تعالى كما يجوز إطلاق الخلافة عليه. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب}.
مناسبة هذه لما قبلها أنه لما أخبر تعالى بالحكم في شاهدي الوصية وأمر بتقوى الله والسمع والطاعة، ذكر بهذا اليوم المهول المخوف وهو يوم القيامة فجمع بذلك بين فضيحة الدنيا وعقوبة الآخرة لمن حرّف الشهادة ولمن لم يتق الله ولم يسمع، وذكروا في نصب {يوم} وجوهًا: أحدها: أنه منصوب بإضمار اذكروا.
والثاني: بإضمار احذروا.
والثالث: باتقوا.
والرابع: باسمعوا قاله الحوفي.
والخامس: بلا يهدي، قال قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء قالا: لا يهديهم في ذلك اليوم طريق الجنة، قال أبو البقاء أولًا يهديهم في ذلك اليوم إلى الحجة.
والسادس: أجاز الزمخشري أن ينتصب على البدل من المنصوب في قوله: {واتقوا الله}، وهو بدل الاشتمال، كأنه قيل واتقوا الله يوم جمعه وفيه بعد لطول الفصل بالجملتين.
والسابع أن ينتصب على الظرف والعامل فيه مؤخر تقديره {يوم يجمع الله الرسل} كان كيت وكيت قاله الزمخشري، وقال ابن عطية وصف الآية وبراعتها إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفًا والعامل اذكروا واحذروا مما حسن اختصاره لعلم السامع والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة، وخص الرسل بالذكر لأنهم قادة الخلق وفي ضمن جمعهم جمع الخلائق وهم المكلمون أولًا انتهى.
والذي نختاره غير ما ذكروا وهو أن يكون {يوم} معمولًا لقوله: {قالوا لا علم لنا} أي قال الرسل وقت جمعهم وقول الله لهم {ماذا أجبتم} وصار نظير ما قلناه في قوله: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل} وسؤاله تعالى إياهم بقوله ماذا {أجبتم} سؤال توبيخ لأممهم لتقوم الحجة عليهم ويبتدأ حسابهم كما سئلت الموءودة توبيخًا لوائدها وتوقيفًا له على سوء فعله وانتصاب {ماذا أجبتم} ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم قاله الزمخشري، وقيام ما الاستفهامية مقام المصدر جائز وكذلك ماذا إذا جعلتها كلها استفهامًا وأنشدوا على مجيء ما ذكر مصدرًا قول الشاعر:
ماذا تعير ابنتي ربع عويلهما ** لا ترقدان ولا بؤسي لمن رقدا

وقال ابن عطية معناه ماذا أجابت به الأمم، ولم يجعل ما مصدرًا بل جعلها كناية عن الجواب، وهو الشيء المجاب به لا للمصدر، وهو الذي عنى الزمخشري بقوله ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم.
وقال الحوفي ما للاستفهام وهو مبتدأ بمعنى الذي خبرها وأجبتم صلته والتقدير ماذا أجبتم به انتهى، وحذف هذا الضمير المجرور بالحرف يضعف لو قلت جاءني الذي مررت تريد به كان ضعيفًا إلا إن اعتقد أنه حذف حرف الجر أولًا فانتصب الضمير ثم حذف منصوبًا ولا يبعد.
وقال أبو البقاء {ماذا} في موضع نصب بأجبتم وحرف الجر محذوف أي بماذا أجبتم وما وذا هنا بمنزلة اسم واحد ويضعف أن يجعل ذا بمعنى الذي هنا لأنه لا عائد هنا وحذف العائد مع حرف الجر ضعيف انتهى، وما ذكره أبو البقاء أضعف لأنه لا ينقاس حذف حرف الجر إنما سمع ذلك في ألفاظ مخصوصة ونصوا على أنه لا يجوز زيدًا مررت به تريد بزيد مررت ولا سرت البيت تريد إلى البيت إلا في ضرورة شعر نحو قول الشاعر:
تحنُّ فتبدي ما بها من صبابة ** وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني

يريد لقضي عليّ فحذف عليّ وعدى الفعل إلى الضمير فنصبه ونفيهم العلم عنهم بقوله: {لا علم لنا}، قال ابن عباس معناه لا علم لنا إلا علمًا أنت أعلم به منا كأن المعنى لا علم لنا يكفي وينتهي إلى الغاية، وقال ابن جريج معنى {ماذا أجبتم} ماذا عملوا بعدكم وماذا أحدثوا فلذلك قالوا {لا علم لنا} ويؤيده {إنك أنت علام الغيوب}، إلا أن لفظة {ماذا أجبتم} تنبو عن أن تشرح بقوله ماذا عملوا وذكر المفسرون عن الحسن ومجاهد والسدي وسهل التستري أقوالًا في تفسير قولهم {لا علم لنا} لا تناسب الرسل أضربت عن ذكرها صفحًا.
وقال الزمخشري: فإن قلت كيف يقولون لا علم لنا وقد علموا ما أجيبوا.
قلت: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون الأمر إلى علمه، وإحاطته بما منوا به منهم، وذلك أعظم على الكفرة وأفتّ في أعضادهم، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم إذا اجتمع عليهم توبيخ الله تعالى وتشكي أنبيائهم عليهم، ومثاله أن ينكت بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكتة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها، وعزم على الانتصار له منه فيجمع بينهما ويقول له ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به يريد توبيخه وتبكيته، فيقول: أنت أعلم بما فعل بي تفويضًا للأمر إلى علم سلطانه واتكالًا عليه وإظهارًا لشكايته وتعظيمًا لما به انتهى، وليست الآية كهذا المثال الذي ذكره لأن في الآية {لا علم لنا} وهذا نفي لسائر أفراد العلم عنهم بالنسبة إلى الإجابة.